الدكتور/ محمد عبد الحليم الجبيصي ... المحامي ... ماجستير في القانون ... دكتوراه في القانون التجاري ... والمستشار القانوني للشركات ورجال الاعمال ... 01002563799

التسجيل وإشهار التصرفات العقارية

مجلة المحاماة – العددان السادس والسابع السنة الثامنة - مارس وإبريل 1928

للأستاذ صليب سامي بك رئيس تحرير المجلة

.
حكمة إشهار هذه التصرفات، طرق الإشهار في الشرائع القديمة، إشهارها في مصر قبل القانونين المختلط والأهلي، إشهارها في فرنسا قبل قانون سنة 1855، قانون سنة 1855 - القانونان المختلط والأهلي، قانون التسجيل الجديد، ترتيب درجات حقوق الامتياز، نظرية سوء النية، إثبات تاريخ العقود رسميًا.
.
.
لماذا شرعت علانية التصرفات العقارية؟
.
إذا أردت شراء عين عقارية وجب عليك، حتى لا تعرض مالك للضياع، أن تشتري هذه العين من مالكها.
.
أما إذا اشتريتها من غير مالكها فلا يؤثر شراؤك في حق مالكها الحقيقي، فلا تنتقل إليك ملكية العين، ويصبح حقك قاصرًا على الرجوع على بائعك بالثمن، إن كان مفلسًا ضاع عليك مالك.
.
ولكن من أين تعلم أن العين مملوكة لمن ظننته مالكًا لها وتعاقدت معه بشأنها؟
.
قد يكون العاقد معك غاصبًا للعين أو مستأجرًا لها فيوهمك وضع يده عليها بملكيته لها، وقد لا يكون له أي حق عليها فيوهمك بأنها ملكه، بل قد يكون مالكًا للعين، مشهورًا بملكيته لها، ولكنه تصرف فيها بالبيع، وأخفى عليك هذا التصرف، فباعها لك بعد أن خرجت من ملكه.
.
فمن أين لك تحقيق الواقع؟
.
كان لا بد من حماية المشتري في هذه الحالة، لذلك وضعت جميع الشرائع، من قديم العهد، النظم التي تكفل صيانة حقوق المشتري من عبث البائع، وقد تدرجت هذه النظم وتبدلت، تبعًا لظروف الأحوال ومقتضيات المعاملات، على ما سنراه مفصلاً فيما بعد، وآخر هذه النظم التي أقرتها الشرائع هو نظام التسجيل.
.
نَبذة تاريخية
.
1 - عند قدماء اليونان:
.
فطن اليونان من قديم العهد إلى ضرورة إشهار العقود المنشئة للملكية أو الناقلة لها.
.
ففي كثير من المدن كانت تسجل ملخصات العقود الناقلة للملكية على لوحات من الرخام، وكان هذا التسجيل يجعلها حجة على الغير.
.
وفي أتينا كانت تشهر هذه العقود بسجلات دفع الرسوم التي كان يؤديها المشترون [(1)].
.
2 - عند قدماء الجرمان:
.
كانت تشهر العقود الناقلة للملكية العقارية بإجراء علني.
.
فكان الإشهار قديمًا بالتسليم الرمزي، أي بتسليم جزء من العقار يدًا بيد، فإن كان أرضًا بتسليم قبضة من مادتها، سواء كانت طينًا أو حجرًا أو رملاً، أو بتسليم نبات من زرعها إن كانت منزرعة، وإن كان العقار دارًا بتسليم أحد أجزائها كباب أو نافذة، وهكذا.

ثم عدل الجرمان عن إشهار العقود بهذه الطريقة الرمزية إلى طريقة الإشهار بالتسجيل بإثبات تسليم العقار في سجلات جعلت لذلك.
.
وهذه السجلات - بعد تغييرات كثيرة طرأت عليها – أصبحت السجلات العقارية التي نظمها في النمسا قانون 25 يوليه سنة 1871، وفي بروسيا قانون 5 مايو سنة 1872 [(2)].
.
وهي أساس تشريع السجلات العقارية في سائر الممالك الأخرى.
.
3 - عند الرومان:
.
وقد أدرك الرومان من قديم العهد ضرورة إشهار التصرفات العقارية، على خلاف ما ذهب إليه بعض العلماء، ولكنهم تدرجوا كثيرًا في طرق الإشهار ففي روما كانت طريقة الإشهار تتبع تشريعهم من حيث التغالي في الإجراءات الشكلية حينًا والتساهل فيها حينًا [(3)].
.
ومن أولى طرق إشهار نقل الملكية عند الرومان طريقتان: الـ (mancipatio) والـ (in jure cession). وكانت الطريقة الأولى، ومعناها القبض أي استلام العين باليد، تؤدي إلى إشهار البيع بحضور البيع والمشتري، مصحوبين بخمسة شهود وموظف خاص يحمل ميزانًا من الصلب، إلى موقع العقار، ولمس المشتري العقار باليد، وإعلانه في مواجهة البائع ملكيته له، وتسليمه للبائع سبيكة من الصلب رمزًا إلى دفع الثمن [(4)] وما لم تتم هذه الإجراءات فالملكية لا تنتقل للمشتري.
.
ولكن لهذه الطريقة عيوبها، فالعلانية لا تتوفر فيها إلا بقدر السماع عن حصول هذه الإجراءات ومن جهة أخرى فإن هذه الإجراءات تستلزم في البيوع العقارية انتقال البائع والمشتري بنفسهما إلى محل العقار، لأن الرومان كانوا يحرمون التوكيل في ذلك، فإذا لم يكن ذلك ميسورًا لأحدهما لمانع عرض له أو لبعد موقع العقار تعذر وقوع البيع [(5)].
.
وكذلك كانت هذه الإجراءات بطبيعتها لا تنصب إلا على البيع المنجز غير المضاف إلى أجل أو المعلق على شرط.
.
وأما (in jure cessio) فموضوعها الاتفاق بين المشتري والبائع على تصور دعوى استحقاق يرفعها الأول على الثاني أمام القاضي ليثبت حقه على العين موضوع التعاقد.
.
وقد كثر التعامل بهذه الطريقة عن الطريقة الأولى وخاصة لكونها الطريقة الوحيدة لاكتساب مجرد الحقوق العقارية كحق الارتفاق.
.
ولكن كان لهذه الطريقة نفس العيوب التي رأيناها في الطريقة الأولى لعدم جواز التوكيل فيها، ولضرورة إحضار المنقول في مجلس القاضي أو انتقاله لجهة العقار [(6)] وأخيرًا لضرورة الاتفاق مبدئيًا، بين البائع والمشتري على كافة اشتراطات البيع، لعدم إمكان مخالفة هذه الشروط أمام القاضي.
.
وقد وضع الرومان بعد ذلك طريقة ثالثة لإشهار البيع.
.
وهي الـ (traditio) أي تسليم المبيع، وشروطه:
.
1 - التسليم المادي للمبيع عقارًا كان أو منقولاً، وهو الركن المادي.
.
2 - اتفاق البائع على البيع والمشتري على الشراء، وهو الركن المعنوي.
.
3 - كون المبيع مما يمكن قبضه بأن يكون عينيًا.
.
4 - أهلية البائع للبيع والمشتري للشراء [(7)].
.
ولكن التسليم أو القبض قد يحصل في غير علانية، بل وقد يحصل خفية، وأخيرًا كان يستغني عنه بالنص في العقد على حصول التسليم، فكانت المعاملات لا تزال عرضة للخطر، لذلك وضع الرومان عقوبة لمن يبيع عقارًا ليس مملوكًا له.
.
ولكن هذه العقوبة على شدتها لم تخفف من الأضرار الناشئة عن عدم إشهار التصرفات العقارية. هذا في التصرفات بعوض.
.
أما في الهبات فقد صدر قانونان في عهد الإمبراطور قسطنطين بوجوب إشهارها بتسجيل ملخصها insinuation وهو أساس نظام التسجيل في القوانين الحديثة.
.
ولكن لم يلبث أن فقد هذا التسجيل أهميته من حيث العلانية في عهد خلفاء الإمبراطور قسطنطين وأصبح مجرد أداة للإثبات، ذلك لأن خلفاءه أباحوا التسجيل في غير الجهة التي بها العقار وفقًا لإرادة الواهب، ثم أصبح التسجيل اختياريًا، وانتهى بأن بطل هذا النظام بعدم الاستعمال. [(8)].
.

في القانون الفرنسي
.
لاستيفاء البحث في علانية العقود الناقلة للملكية العقارية في القانون الفرنسي، يجب الكلام عن التشريع في أدواره الآتية:
.
1 - القانون القديم.
.
2 - التشريع في عهد الثورة.
.
3 - قانون نابليون.
.
4 - قانون 23 مارس سنة 1855.
.
1 - القانون القديم:
.
لم تكن في غالب المقاطعات الفرنسية طريقة لإشهار نقل الملكية والحقوق العقارية في عقود المعاوضة، بل كان التعاقد على ذلك يحصل بغير علانية، إلى حد أن التسليم أصبح لا محل له بشيوع النص على حصوله في عقود البيع.
.
ولكن كان لبعض المقاطعات الخاضعة لحكم العادات نظم لإشهار هذه التصرفات احتفظ بها من العصور الوسطى.
.
ومنها الـ (mantissement) وهو تسليم العقار للمشتري بمعرفة موظفين رسميين يعينهم الملك أو الأمير وإثبات هذا التسليم في سجل عام لكل ذي شأن حق الاطلاع عليه. [(9)].
.
وكان هذا النظام ساريًا على العقود الناقلة للملكية وكذلك العقود الناقلة أو المنشئة للحقوق العينية العقارية. وكان لهذا النظام فائدة كبرى.
.
فإذا تصرف المالك في ملكية العقار، أو رتب عليه حقًا عينيًا، لشخصين على التوالي، كان الحق لصاحب التسليم السابق.
.
وإن لم يتسلم الاثنان العقار كان الحق لمن وضع يده عليه منهما، وإلا كان لصاحب القد الأسبق في التاريخوما لم يحصل التسليم القانوني nantissement، يعتبر العقار باقيًا في ملكية بائعه ولدائنيه حق التنفيذ عليه [(10)].
.
وكان لمقاطعة بريطانيا نظامًا خاصًا يسمونه Appropriance par bannies، هذا النظام يقتضي الإعلان عن البيع بالنداء بحصوله ثلاث مرات متوالية، بين كل منها أسبوع أو أسبوعان، بواسطة موظف خاص يسمونه bannier، وكان يحصل هذا الإعلان عادة في أيام الآحاد وعلى أبواب الكنيسة، ثم استعيض عن النداء بإعلان يلصق على أبواب الكنيسة.
.
وكان يعمل لهذا الإجراء محضر يعلن لأقارب البائع ولكل ذي مصلحة ظاهرة، ثم يسجل هذا المحضر بالمحكمة، ويصبح لكل ذي شأن حق الاطلاع عليه.
.
وأخيرًا استعيض عن هذا الإجراء بنظام تسجيل ملخص العقود Insinuation وهو أساس نظام التسجيل الحالي. وكان لنظام Appropriance par banies نفس الفائدة المعلومة لنظام التسجيل.
.
فإذا ادعى شخص ملكيته لعين بطريق الشراء، وجب عليه إشهار شرائه بالطريقة السالفة، وما لم يفعل فعقده لا يكون حجة على الغير، ولكل شخص أراد أن يكتسب حقًا على عقار استطاع الاطلاع على تصرفات صاحب العقار، فيكون على بينة من أمره.
.
وكانت هناك نظم أخرى لضمان حقوق الدائنين المرتهنين، لا نرى محلاً للتوسع في شرحها، وهي تقضي إجمالاً بإعطاء هؤلاء الدائنين الفرصة للمعارضة في حصول البيع استبقاء لحقهم على العقار.
.
على أن هذه النظم كانت قاصرة على التصرفات بعوض، أما الهبات فكانت في عهد القانون القديم خاضعة دائمًا لنظام خاص للعلانية من شأنه حماية ذوي الحقوق على العقار.
.
2 - التشريع في عهد الثورة:
.
في سنة 1789، على أثر قيام الثورة وسقوط محاكم الأشراف، أُلغي نظام التسليم بقانون 20 – 27 سبتمبر سنة 1790 الذي قضى بوجوب تسجيل العقود بالمحاكم المركزية وإلا أصبحت لا قيمة لها.
.
وفي 11 برومير من السنة السابعة للثورة (أول نوفمبر سنة 1798)، صدر قانونان غير نظام التسجيل وجعلا العقود ناقلة للملكية بين العاقدين بمجرد صدورها، ولكنها لا تكون حجة على الغير إلا بتسجيلها.
.
3 - قانون نابليون:
.
ولكن قانون نابليون أُلغي هذين القانونين، وأُلغي تبعًا نظام التسجيل، فأصبحت العقود بعوض ناقلة للملكية بمجرد صدورها، سواء بين العاقدين أو إزاء الغير.
.
وكذلك عقود الوصية، أما الهبة فقد نص على عدم الاحتجاج بها على الغير إلا من يوم تسجيلها.
.
4 - قانون 23 مارس سنة 1855:
.
كان قانون نابليون لا شك معيبًا بإلغاء نظام التسجيل، والقضاء تبعًا على تأمين المعاملات العقارية.
.
كان حقًا للنائب العام دوبان Dupin أن يقول لمحكمة النقض في سنة 1840: (يشتري الإنسان ولا يعلم إذا كان سيصبح مالكًا أو لا، يرتهن ولا يدري إن كان سيتقاضى دينه أولاً).
.
فكان لا بد من تشريع جديد.
.
ففي 23 ماس سنة 1855 صدر (قانون تسجيل عقود الرهن)، وهو بالرغم من تسميته مطلق الأحكام على جميع التصرفات المنشئة أو المقررة للملكية وللحقوق العينية العقارية، فيما عدا الوصية التي لم ينص القانون على وجوب تسجيلها، والهبة التي نص قانون نابليون (939) على وجوب تسجيلها، ونزع الملكية للمنفعة العامة التي صدر بها قانون خاص في 3 مايو سنة 1841.
.
وهذا القانون هو مصدر التشريع المصري في القانونين المختلط والأهلي على ما سنرى.
.
في القانون المصري
.
يشمل بحثنا في هذا الموضوع الكلام على أدوار التشريع الثلاثة الآتية:
.
1 - العهد السابق على وضع القانونين المختلط والأهلي.
.
2 - عهد القانونين المذكورين.
.
3 - عهد قانون التسجيل الجديد.
.
1 - عن العهد الأول
.
لا ندري كيف كان يقع بيع العقار في عهد الفراعنة، وهل كان يشهر البيع أو لا، ولا ندري كذلك إذا كانت شرائع الدول الفاتحة، قبل الفتح الإسلامي، كانت تطبق على البلاد المصرية عند فتحها أو لا.
.
فلا ندري إن كان نظام التسجيل، الذي كان معروفًا عند قدماء اليونان، ووسائل الإشهار التي شرعها الرومان، كان معمولاً بها في مصر أولاً.

والبحث في ذلك من اختصاص علماء الآثار، الذين نرجو أن يوافونا بما يعلمونه في هذا الموضوع. كل ما نعلمه أن، في عهد الفرس واليونان والرومان، كانت رقبة الأرض في الديار المصرية ملكًا للحاكم، ومنفعتها لواضعي اليد عليها، وأن الأرض كانت تنقسم إلى قسمين: الأراضي المنعم بها على كبار القوم، وكانت معفاة من كل ضريبة، والأراضي التي كانت لعامة الناس حق الانتفاع بها مقابل دفع الخراج عنها - راجع الإصحاح السابع والأربعين من سفر التكوين.

أما من عهد الفتح الإسلامي إلى عهد القوانين الوضعية المصرية فكانت أحكام الشريعة الإسلامية سارية على الديار المصرية.

ولم تنص هذه الأحكام على إشهار البيع، فكانت ملكية العين تنتقل للمشتري بمجرد البيع (مادة (74) من مرشد الحيران) وكان البيع يثبت بالبينة كسائر العقود، وكان للمشتري التصرف في العين المبيعة قبل استلامها إن كانت عقارًا (مادة (75)).

ولذلك كان مفروضًا تعرض المعاملات العقارية لإخطار كثيرة، بأن تشتري عقارًا من غير مالكه، أو ترتهن عينًا من غير صاحبها، إذا أوهمت بملكية من تعاقدت معه، وليس هناك نظام يساعدك على تحقيق ملكيته قبل التعاقد معه.

إلا أن هذه الأخطار لم يكن لها في مصر الشأن الذي كان لها في سائر البلاد الأخرى، وخاصة في فرنسا في المدة بين وضع قانون نابليون وسنة 1855، وذلك للأسباب الآتية:

الأول: لأن الأراضي، وهي الجزء الأعظم من الثروة العقارية، كانت في مصر خراجية، أي كانت رقبتها مملوكة لبيت المال بينما كان حق الانتفاع بها متروكًا للأهالي لا يتصرفون فيه لا بالبيع ولا بالرهن.

الثاني: لأنه من أوائل القرن الماضي (1813) كلفت الأراضي في سجلات الحكومة بأسماء أصحابها، فكان هذا النوع من التسجيل كافيًا لإشهار الملكية.

الثالث: لأنه لما أبيح التصرف في هذه الأراضي، في النصف الثاني من القرن الماضي، أحيطت هذه التصرفات بضمانات كانت تقي شر التعامل مع غير المالك: فكان لا بد من تحرير حجة شرعية بالتصرف، وكانت هذه الحجة لا تحرر إلا بعد الإذن من المديرية، وبعد التحقق من ملكية صاحب الأرض، بالكشف عليها من سجلاتها.

وإليك التفصيل:

قام الخلاف بين المؤرخين على صفة احتلال العرب للديار المصرية، هل هو فتح عنوة لمقاومة الرومان إغارتهم على مصر، أو هو فتح سلمى باتفاق الأقباط - وهم أهل البلاد - مع العرب على دخول الديار المصرية، وحصول الأقباط منهم على الأمان.

ولكن مما لا شك فيه أن أئمة المذاهب الأربعة متفقون على أن الديار المصرية فتحت عنوة، ويرى بعض المؤرخين، دليلاً رمزيًا إلى هذا الفتح، في ارتقاء الخطباء منابر الصلاة يوم الجمعة في كل جوامع مصر متقلدين سيفًا أو شبه سيف من خشب، بينما يخطب الخطيب في البلاد التي دخلها العرب بغير السيف ويداه مرفوعتان إلى السماء وفي أحديهما كتاب الله [(11)].

إذا أضيف إلى ذلك أن جمهور المصريين لم يدخلوا دين الإسلام عند الفتح، وأن أرض مصر تروى من ماء النيل وهو نهر غير عربي، تبين لك أن أراضي مصر كانت كلها خراجية بحكم الشريعة الغراء، وإذن بقيت الأرض ملكًا للحاكم وللأهلين حق الانتفاع بها لا غير - راجع المادة (21) من القانون المدني المختلط [(12)].


وقد استمرت الحال على ذلك في مصر في عهد الدولة العثمانية، وفي عهد المماليك الذين استبدوا بالحكم في غفلة نائب السلطان العثماني.

وفي عهد المماليك نشأت الالتزامات، ولكنها لم تغير من صفة الأراضي التي كانت تعطي لهم نظير التزاماتهم.

ولما ولي محمد علي باشا الكبير حكم مصر، وجه همه إلى تثبيت حق واضعي اليد على الأراضي ليأمنوا على ملكهم ولينصرفوا إلى إصلاح الأرض وزرعها.

ففي سنة 1813 مسحت الأراضي، ووزعت بين الأهالي، وقيدت بأسمائهم.

ولما صادر محمد علي باشا أملاك المماليك أخذ أراضيهم، التي منحت لهم (رزق بلا مال)، والتي أعطيت لهم مقابل الالتزام (أواسي) ووزعها كذلك بين الأهالي.

إلا أن الأراضي التي وزعت على الأهالي أولاً وثانيًا بقيت ملكًا لبيت المال وكان للأهالي عليها مجرد حق انتفاع.

وفي 23 ذي الحجة سنة 1263 (1846) صدرت أول لائحة في شأن الأراضي الخراجية، فصرح فيها لواضع اليد عليها بإعطائها غاروقة (أي برهن منفعتها) كما أبيح له التنازل عن حقه فيها بالشركة أو البيع الوفائي أو البيع البات.

وإنما شرطت اللائحة وجوب وقوع ذلك ( بالكتابة على ورق دمغة).

وفي 8 جمادى الأولى سنة 1271 (1854) صدرت اللائحة الثانية، فنصت على وجوب حصول التنازل عن حق منفعة الأراضي بالتصرفات السابقة عن يد المديرية وبحجة شرعية.

وأجازت هذه اللائحة انتقال حق المنفعة لورثة المنتفع مطلقًا بالنسبة للبعض، وبقيود خاصة بالنسبة للبعض الآخر.

وقد عني المغفور له سعيد باشا والي مصر بتثبيت حق المنتفعين على الأراضي عناية محمد علي باشا الكبير بذلك.

ففي 5 ذي القعدة سنة 1274 (1858) صدر أمره العالي بإعطاء الفلاحين، الذين شاركوا مشايخ البلاد في الأراضي المنتفعين بها، أو زارعوهم عليها، نصيبهم منها وقيده بأسمائهم. وفي 24 ذي الحجة سنة 1274 (1858) صدرت اللائحة السعيدية التي وضعها مجلس الأحكام، وهي أول قانون حقيق بهذه التسمية صدر في شأن الأراضي.
.
أجازت هذه اللائحة:

1 - انتقال منفعة الأراضي لورثة المنتفع طبقًا لقواعد الشريعة الغراء في الإرث، وبشروط نصت عليها اللائحة – بند (1).

2 - تقسيم أطيان العائلة المكلفة باسم أرشدها بين أفرادها، وتكليف حصة كل منهم باسمه ونصت على وجوب ضبط ذلك بإشهاد شرعي يسجل بالمحكمة الشرعية وبالمديرية – بند (2).

3 - تملك منفعة الأرض بوضع اليد عليها ودفع الخراج عنها خمس سنوات متواليات - وإن كان هناك نزاع قائم بشأنها، وجب ثبوت وضع اليد عليها خمس سنوات سابقة على رفع الدعوى – بند (4).

4 - إعطاء الأرض غاروقة (بند 7) وتأجيرها لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات (بند وبيع حق الانتفاع (بند 9).ولكن اللائحة أبقت رقبة الأراضي لجهة بيت المال بالنص على ذلك صراحة في البنود (1) و (4) و (7) و (9) وبإجازة التصرفات السابقة على سبيل الاستثناء.

وقد شرطت اللائحة وجوب اتباع إجراءات خاصة لإثبات هذه التصرفات، فلا تتم الغاروقة إلا بإذن المديرية والتكليف باسم المرتهن مع بقاء اسم صاحب الأرض، والإجارة إلا بسند ديواني يحرر بالمديرية، والبيع إلا بحجة شرعية بعد الإذن بالمديرية التي يجب عليها تحقيق ملكية البائع قبل الإذن للمحكمة الشرعية بتوقيع البيع.وفي سنة 1871، في عهد الخديوي إسماعيل باشا، صدرت لائحة المقابلة التي أجازت للأهالي تملك الأرض ملكًا مطلقًا، وإعفاءهم من دفع نصف الضريبة طول حياتهم، إذا هم عجلوا دفع الخراج عن ست سنوات.ومن الأهالي من دفع الخراج معجلاً فتملك رقبة العين، ومنهم من لم يدفع فبقي منتفعًا بها.وفي 17 يوليو سنة 1880، في عهد الخديوي توفيق باشا، صدر قانون التصفية الذي ساوى بين الجميع وجعل صاحب الأرض مالكًا مطلقًا لها، كما ساوى بين الأراضي الخراجية والقليل من الأطيان العشرية التي كانت ملكًا خالصًا لأصحابها [(13)].

يتبين مما تقدم:

1 - أن الأراضي، وهي الأصل في الثروة العقارية، كانت خراجية أي مملوكة لبيت المال، وأن حق أصحاب كان قاصرًا على الانتفاع بها، وإنهم لم يملكوا التصرف في منفعتها لا بيعًا ولا رهنًا، ولم يتوارثوا هذه المنفعة إلا في النصف الثاني من القرن الماضي ولكنها لم تصبح ملكًا تامًا لهم.

2 - أنه في سنة 1813 مسحت الأراضي المنزرعة، وكلفت بأسماء المنتفعين بها، وأنه في سنة 1858 وزعت أطيان مشايخ البلاد على شركائهم، وكلفت بأسمائهم.

وفي هذه السنة أيضًا صرح بقسمة أطيان العائلة على أفرادها، وصرح بتكليف حصة كل منهم باسمه، كما اشترط تكليف الأراضي المعطاة غارقة باسم المرتهن علاوة على اسم صاحبها.

3 - وأنه في سنة 1846 صرح لأصحاب الأراضي بالتنازل عن منفعتها وبإعطائها غاروقة، ولكن بشرط حصول ذلك كتابة على ورقة دمغة.

وفي سنة 1858 اشترط، في حصول القسمة بين أفراد العائلة، تحرير إشهاد بذلك على يد قاضٍ شرعي وتسجيله بالمحكمة وبالمديرية، كما علق حصول التنازل عن حق الانتفاع أو إعطائه غاروقة على إذن المديرية وتحرير حجة شرعية.

وإذا تبين لكل ذلك استنتجت معي:

1 - أن انتقال الملكية العقارية لغاية سنة 1880 كان قاصرًا على (الأملاك) العقارية أي الأراضي المبنية، دون الأراضي الزراعية، اللهم إلا الأراضي التي أنعم بها على أصحابها ملكًا خالصًا، وهي قليلة جدًا.

2 - أن الأراضي كانت مكلفة بأسماء أصحابها بسجلات الحكومة ابتداءً من سنة 1813، وأن التصرف في منفعة الأراضي، بالبيع أو الرهن، وحتى إجارتها، إنما كان يحصل كتابة، وبإذن المديرية، وبموجب حجج شرعية في الحالتين الأوليين، وألا يصبح التصرف باطلاً [(14)] وغير حجة على الغير [(15)] وبسند ديواني في الحالة الأخيرة.

وعلى ذلك فالخطر على المعاملات لم يكن ظاهرًا في حالة التشريع القديم، لأنه كان سهلاً على كل شخص، يتعامل مع آخر، أن يتبين ملكيته من سجلات المديرية، وما كانت المديرية لتصريح بتحرير الحجة الشرعية إذا تبين لها عيب في ملكيته.

يضاف إلى ذلك أن لائحة القضاة الصادرة في 26 ديسمبر سنة 1856 قد نظمت طريقة تحرير الحجج الشرعية ووضعت قاعدة التسجيل.

(يلاحظ أن أصل الحجة، الموقع عليه من القاضي، كان يسلم لصاحبها، وكانت تنسخ صورتها في السجل المصان – وفي هذا مخالفة أساسية لما هو جار في العقود الرسمية بالمحاكم الأخرى، حيث يحفظ الأصل بمحفوظات المحكمة، وتسلم صورة منه لذي الشأن).

وجعلت لائحة القضاة للحجج، المطابقة للسجل المصان، قيمة قاطعة في الإثبات، فكان القضاة ممنوعين من سماع أي دعوى تخالف مضمونها - راجع المادة (9).

على أنه يستنتج، من مجموع نصوص هذه اللائحة، أن الحجة الشرعية التي تتضمن بيعًا أو هبة أو وقفًا أو غير ذلك من العقود، لا تكون حجة نافذة على صاحبها أو ورثته إلا إذا كانت مسجلة في السجل المصان، أو بعبارة أخرى، لا يكون لها قوة العقد الرسمي بين المتعاقدين إلا بعد التسجيل، وأن ليس الغرض من تسجيل الحجة الشرعية جعلها حجة على الغير.

وهذا أول عهد التشريع المصري فيما يختص بالسجلات، وأما المضابط فقد ذكرها في المادة (15) من اللائحة المذكورة وعبارتها تنصب على محاضر جلسات المحاكم أكثر منها على مضابط العقود.

وفي 17 يونيه سنة 1880، أي بعد صدور القوانين المختلطة، صدر الأمر العالي بلائحة المحاكم الشرعية، وهي الأولى من نوعها الجديرة بهذه التسمية.

وقد غيرت هذه اللائحة نظام تحرير العقود، فجعلت المضابط هي الأصل الواجب حفظه بدفاتر المحكمة، والحجة الشرعية صورًا منها تسلم لذوي الشأن فيها، كما هو الحال في نظام العقود بالمحاكم المختلطة - راجع المواد (77) و (106) و (107) و (110).

ونظمت هذه اللائحة دفاتر التسجيل - (118) و (119) وجعلت لها فهرستات خاصة - (76) و (120). كما نصت على تسجيل العقود الناقلة لملكية العقار، والمقررة للحقوق العينية العقارية، بسجلات المحكمة التي بدائرتها العقار، إذا صدرت هذه العقود بمحكمة أخرى - (55)

وعلى وجوب قيد ما يرد إليها من العقود الصادرة من المحاكم المختلطة، أو المسجلة بها من العقود العرفية، وخلاصات الأحكام الصادرة بالبيع القضائي - (90).

2 - عن العهد الثاني

قانونا المحاكم المختلطة والأهلية

كان محظورًا على الأجانب في الأصل تملك عقارات بالديار المصرية، ولكن محمد علي باشا الكبير أنعم على بعضهم (بأبعاديات) أسوة برعاياه، وملكهم إياها ملكًا مطلقًا أي رقبة ومنفعة.

ولما أصدر المغفور له سعيد باشا أمره الرقيم 15 جمادى الأولى سنة 1275 (1885) ببيع الأطيان الخراجية التي تركها واضعو اليد عليها، سمح للأجانب بشراء ما يريدونه منها.

ولما كانت هذه الأطيان خراجية لا تملك رقبتها، أصدر سعيد باشا لهؤلاء الأجانب تقاسيط من الرزنامة، كما كان يفعل بالأباعد التي كان ينعم بها مجانًا، ليملك هؤلاء الأجانب الأرض رقبة ومنفعة.

وفي 19 ربيع الآخر سنة 1277 (1861) أصدر سعيد باشا أمرًا عاليًا يرخص فيه للأجانب بإنشاء وابورات لحليج الأقطان في الأراضي المملوكة لهم.

وقد تأيد حق الأجانب في تلك العقارات بالديار المصرية بصدور الإرادة الشاهانية في 7 صفر سنة 1283 (1867) التي أطلقت لهم هذا الحق في جميع البلاد العثمانية ما عدا الحجاز.

ولما كان الأجانب المقيمون ببلاد الدولة العلية قد احتفظوا بحق التقاضي أمام سلطاتهم في القضايا المدنية والجنائية، بموجب المعاهدات المعقودة مع سلاطين هذه الدولة [(16)] وأهمها معاهدة فرنسا في سنة 1740 (راجع المواد (15) و (26) و (46) و (52) و (71) من هذه المعاهدة) ومعاهدة أمريكا في سنة 1830 (راجع المادة (4)) ومعاهدة بلجيكا سنة 1838 (راجع المادة (8)) اقتضى ذلك توزيع السلطات القضائية في البلاد المصرية، ولما كانت المصلحة العامة تقضي بتوحيد هذه السلطات، فكر المغفور له الخديوي إسماعيل باشا في إنشاء محاكم مصرية للفصل في قضايا الأجانب، وقد استمرت المفاوضات مع الدول ذات الشأن في ذلك من سنة 1769 إلى سنة 1876، التي انتهت بتشكيل المحاكم المختلطة، ولما أنشئت هذه المحاكم، كان مفروضًا وضع نظام تام للتسجيل، بجانب نظام المحاكم الشرعية الناقص، لضمان مصالح الأجانب في مصر، فنص في القانون المدني المختلط على وجوب تسجيل العقود المنشئة أو المقررة للملكية العقارية، والحقوق العينية العقارية، لتكون حجة على الغير، ووضع سباب خاص في هذا القانون لتنظيم عملية التسجيل.

وفي سنة 1883، لما شكلت المحاكم الأهلية، أخذت قوانينها عن القوانين المختلطة حرفًا بحرف (فيما عدا بعض نصوص قليلة).

والقوانين المختلطة نفسها مأخوذة عن قانون نابليون، فالقانون المدني مأخوذ عن الكتابين الأول والثاني من القانون المشار إليه، فيما عدا الإرث، والوصية، وبعض النصوص المتعلقة بالهبة التي لها علاقة بمسائل الأحوال الشخصية.

أما النصوص الخاصة بالتسجيل الواردة بالقانون المدني المختلط، والتي نقلت إلى القانون الأهلي، فمأخوذة عن القانون الفرنسي الصادر في 23 مارس سنة 1855 السابق الكلام عليه.

نصوص التسجيل في القانونين المختلط والأهلي

ورد بعض هذه النصوص في القانونين متفرقًا مع النصوص المتعلقة بأسباب الملكية، والنصوص الخاصة بسائر الحقوق العينية، وورد البعض الآخر منها مجموعات في باب إثبات الحقوق العينية عن أسباب الملكية.

عددت المادة (44) من القانون المدني أسباب الملكية والحقوق العينية، فهي:

1 – العقود.

2 – الهبة.

3 – الميراث.

4 – الوصية.

5 - وضع اليد.

6 - إضافة الملحقات إلى الملك.

7 – الشفعة.

8 - مضي المدة.

وفات هذه المادة النص على سبب تاسع وهو القبض (راجع المادتين (46) و (607) أهلي والمواد (66) و (68) و (734) مختلط) ولكن لا علاقة لهذا السبب بموضوع بحثنا الحاضر، لأنه سبب قاصر على ملكية المنقول.

1 – العقود:

نصت المادة 47/ 69 على أن ملكية الأموال الثابتة والحقوق العينية عليها لا تثبت بالنسبة لغير المتعاقدين، إلا بالتسجيل.

ونصت المادة 270/ 341 على أن ملكية العقار، بالنسبة لغير المتعاقدين من ذوي الفائدة فيه، لا تنتقل إلا بتسجيل عقد البيع كما سيذكر بعد متى كانت حقوقهم مبنية على سبب صحيح محفوظة قانونًا وكانوا حسني النية [(17)]. ونصت المادة 611/ 737

(الحقوق بين الأحياء، الآيلة من عقود انتقال الملكية أو الحقوق العينية القابلة للرهن، أو من العقود المثبتة (خطأ في الترجمة اقرأ (المنشئة)) لحقوق الارتفاق والاستعمال والسكنى والرهن العقاري، أو المشتملة على ترك هذه الحقوق، تثبت في حق غير المتعاقدين ممن يدعي حقًا عينيًا بتسجيل تلك العقود…).

ونصت المادة 612/ 738

(الأحكام المتضمنة لبيان الحقوق (اقرأ - المؤيدة للحقوق) التي من هذا القبيل، أو المؤسسة لها، يلزم تسجيلها أيضًا.

وكذلك الأحكام الصادرة بالبيع الحاصل بالمزاد، والعقود المشتملة على قسمة العقار.

يتبين من هذين النصين

أولاً: أن العقود والأحكام الخاضعة للتسجيل في عهد القانون المدني هي:

( أ ) العقود الناقلة للملكية أو الحقوق العينية العقارية القابلة للرهن العقاري.

(ب) العقود المنشئة لحقوق الارتفاق والاستعمال والسكنى والرهن العقاري.

(جـ) العقود المشتملة على ترك هذه الحقوق.

(د) الأحكام المؤيدة لهذه الحقوق أو المنشئة لها.

(هـ) أحكام مرسى المزاد.

(و) عقود الشركات العقارية فيما يتعلق بدخول أنصبة الشركاء في رأس المال إذا كانت عقارية - راجع بودرى كتاب الالتزام جزء (1) ص (430) - فقرة (385).

(ز) عقود قسمة العقارات المشتركة لا الموروثة – 610/ 736.

(جـ) كتب الوقف بعد القانون رقم (33) لسنة 1920.

ثانيًا: أن العقود والأحكام غير الخاضعة للتسجيل هي:

( أ ) العقود المؤيدة للحقوق المذكورة Déelaratifs

راجع بودرى – ص (431) فقرة (387) و (389) و (290) - فيما عدا عقود قسمة العقار المشترك غير الموروث.

راجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 26 مايو سنة 1908 - مجلة التشريع والقضاء سنة 20 ص (247) (ومع ذلك فالمحكمة المذكورة قد قضت في 6 إبريل سنة 1905 - المجلة 17 ص (188) - بوجوب تسجيل العقود المقررة لحقوق الارتفاق).

(ب) إجراءات نزع ملكية العقار للمنفعة العامة - راجع الفقرة الأخيرة من المادة (5) من القانون رقم (5) لسنة 1907 - لأن في إجراءات نزع الملكية العلانية الكافية، كما يقول بودرى فقرة (390 مكررة).

(جـ) الأحكام التي من شأنها زوال الحقوق المنصوص عنها في المادتين (611) و (612) (737) و (738).

راجع حكم المحكمة المذكورة في 28 نوفمبر سنة 1912 – المجلة (25) ص(41).

(د) الأحكام المؤيدة لحقوق ثابتة بعقود مسجلة.

راجع حكمي المحكمة المذكورة في 15 يناير سنة 1914 - المجلة 26 ص (142) و ص (155) - وحكم 7 مايو سنة 1914 - المجلة 26 ص (378).

(هـ) الأحكام المؤيدة لحقوق الإرث تطبيقًا للمادة 610/ 736 راجع الحكمين المذكورين وحكم 27 مايو سنة 1915 - المجلة 27 ص (375).

(و) كتب الوقف قبل قانون رقم (33) لسنة 1920 لعدم انطباق نص المادتين (611) و (612) (737) و (738).

راجع أحكام المحكمة المذكورة في 28 ديسمبر سنة 1905 - المجلة (18) ص (60) وفي 10 مايو سنة 1910 – المجلة - 23 ص (7) – وفي 18 يناير سنة 1916 – المجلة 28 ص (108) راجع أيضًا حكم محكمة الاستئناف الأهلية في 15 إبريل سنة 1916 - قضية وقف المنشاوي باشا ضد السيدة ست بنت موسى رقم (156) سنة 33 قضائية (غير منشور).

راجع حكم المحكمة المذكورة في 18 مايو سنة 1926 - المحاماة 8 ص (170).

أما الحقوق التي ترد عليها العقود وواجب تسجيلها فهي:

1 - حق الملكية العقارية - المواد (47) و (270) و 611/ (69 و 341 و 737).

2 - الحقوق العينية القابلة للرهن، وهي الحقوق المتفرعة عن الملك والتي يجوز التصرف فيها مستقلة (الرقبة وحق الانتفاع) – المادتان (47) و 611/ (69 و 737).

3 - الحقوق العينية الأخرى، حق الارتفاق - المادة 611/ 737 وحق الاستعمال، وحق السكنى - المادة 611/ 737.

4 - حقوق الدائنين على العقار: حق الرهن العقاري - المادة 565/ 689 والمادة (611)، وحق الاختصاص أو الرهن القضائي - المادة 599/ 725 وحق الرهن الحيازي - المادة 550/ 674 وحقوق الامتياز العقارية: حق امتياز بائع العقار وفاء للثمن، وحق امتياز المشتري في رد الثمن عند الفسخ - المادتان (601) فقرة (7) و 614/ (727 فقرة (6) و(741)) وحق امتياز الشركاء في القسمة العقارية (ما عدا قسمة العقار الموروث) – المادتان (602) و 614/ (728 و741) وحق امتياز صائن العقار - المادتان (603) و 614/ (729 و 741).ونلاحظ هنا أن جمهور شراح القانون المصري يرى إطلاق حق امتياز الصائن على العقار والمنقول [(18)] بينما يرى الأستاذ حامد بك فهمي قصره على المنقول [(19)].

5 - الغاروقة - نص القانون المختلط على وجوب تسجيل الغاروقة في المادة (737)، ولم ينص القانون الأهلي على ذلك بالرغم من النص على الغاروقة في المادة (553)، وذلك لأن هذا النوع من التأمين كان قاصرًا على الأطيان الخراجية دون الأطيان المملوكة ملكًا تامًا، ولأن قانون التصفية قد ألغى هذه التفرقة فأصبحت جميع الأطيان ملكًا تامًا لأصحابها.

وعلى ذلك يمكن القول بأن الغاروقة غير المجسلة كانت حجة على غير المتعاقدين الخاضعين لسلطة المحاكم الأهلية بمجرد صدورها مستوفاة الشرائط طبقًا لأحكام اللوائح القديمة، ولكنها أصبحت غير حجة على الأجانب من عهد صدور القوانين المختلطة ما لم تكن مسجلة.

6 - حق حبس العين - لم ينص القانونان المختلط والأهلي على إشهار هذا الحق بالتسجيل لأنه حق مادي يثبت بوضع اليد على العين والامتناع عن تسليمها.

ولكن إذا فرضنا أن هناك عقدًا صريحًا بحق الدائن في حبس العين، فهل يقتضي تسجيل هذا العقد لحفظ حق الحبس قبل الغير؟ لا نظن ذلك لعدم النص، على أنه إذا كان حق حبس العين ناشئًا عن حق امتياز فهذا الحق نفسه خاضع للتسجيل، وهذا يكفي لإعلان الغير بحق حبس العين.

7 - الحجز العقاري - من المتفق عليه أن الحجز العقاري لا ينشئ للدائن حقًا عقاريًا على العين المحجوزة - راجع حكمي محكمة الاستئناف المختلطة في 28 مارس سنة 1878 - المجموعة الرسمية سنة 3 ص (161) - وفي 26 مايو سنة 1886 - المجموعة المذكورة 11 ص (457) - ولكن القانون نص على وجوب تسجيل تنبيه نزع الملكية - المادة 540/ 706 مرافعات، وعلى تسجيل محضر الحجز العقاري في القانون المختلط – المادة (619) مرافعات – وحكم نزع الملكية في القانون الأهلي - المادة (559) مرافعات.8 - الإجارة لمدة تزيد عن تسع سنوات - والمخالصة عن الأجرة المعجلة الزائدة عن ثلاث سنين وهذه حقوق شخصية ولكن لخطورتها بالنسبة لحقوق الغير نص القانون على وجوب تسجيلها – مادة 613/ 740 انتهينا من الكلام عن السبب الأول من أسباب الملكية.

2 – الهبة:

نصت المادة (52) (75) من القانون المدني على وجوب تسجيل عقد هبة العقار ليكون حجة على الغير، ولما كانت الهبة ناقلة للملكية فنص المادة 611/ 737 ينطبق عليها أيضًا لإطلاقه. وللفظ (الغير) هنا معنى خاص، فهو يشمل مطلقًا كل من تلقى حقًا عينيًا على العقار الموهوب بطريق الهبة أو الوصية أي بغير مقابل، ومن تلقى حقًا عينيًا بمقابل ولم يكن عقده ذا تاريخ ثابت قبل تسجيل عقد الهبة، ثم من تلقى بمقابل وبعقد ذي تاريخ ثابت حقًا عينيًا غير ملكية حق قابل للرهن أو حق انتفاع بالاستعمال أو السكنى، أما من تلقى بمقابر أحد هذه الحقوق، وكان عقده ثابت التاريخ قبل تسجيل عقد الهبة، فلا تسري عليه الهبة وإن كانت مسجلة - مادة 617/ 744. 3 – الميراث:أما ملكية العقار والحقوق العينية العقارية الآيلة بالإرث (فتثبت في حق كل إنسان بثبوت الوراثة( مادة 610/ 736، فهي حجة على الغير بغير حاجة إلى التسجيل.

ولم ينص قانون (23) مارس سنة 1855 في فرنسا على الإرث باعتباره سببًا لنقل الملكية أو الحقوق العينية العقارية، وقد فسر ذلك الفقهاء والقضاء بعدم وجوب التسجيل باعتبار الحق آيلاً عن القانون مباشرة – راجع بودرى الالتزامات جزء (1) ص (427) فقرة (377).

ولا تحتاج إلى التسجيل تبعًا:

1/ الأحكام الصادرة بتثبيت حق الوارث على عقار أو على حق عيني عقاري كما رأينا.

2/ عقود قسمة العقار بين الورثة والأحكام الصادرة بهذه القسمة - راجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 29 إبريل سنة 1903 – المجلة 15 ص (262).

3/ عقود تخارج الورثة عن حصتهم في عقارات التركة والأحكام الصادرة في هذا الموضوع، راجع بودرى كتاب الالتزامات جزء (1) ص (429) فقرة (384). راجع حكمي المحكمة المذكورة في 26 يناير سنة 1899 - المجلة 11 ص (105) وفي 12 ديسمبر سنة 1916 المجلة 29 ص (103).

4/ عقود استرداد الورثة للحصة العقارية المبيعة من التركة والأحكام الصادرة في هذا الموضوع - راجع حكم المحكمة المذكورة في 4 مايو سنة 1911 – المجلة 23 ص (302).

4 – الوصية:- لم ينص القانون على وجوب تسجيل الوصية أو عدم وجوبه - وظاهر من نصوص القانون ومن طبيعة الحق ذاته أن لا محل للتسجيل:

1/ لأن القانون لم ينص على هذا التسجيل لا في المادة (55) ولا في باب التسجيل.

2/ ولأن المادة (611) نصت على تسجيل الحقوق بين الأحياء والوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت - راجع بودرى كتاب الالتزامات جزء (1) ص (427) فقرة (376) (طبعة سنة 1906). 3/ ولأن تسجيل الوصية لا يمنع الموصي من التصرف في ماله في حياته - ويعتبر ذلك رجوعًا في الوصية، إلا أن هذا الرجوع لا يمس في القانون المختلط حقوق المشترين أو المرتهنين للعين الموصي بها إذا كانوا حسني النية - مادة (78).

4/ ولأن تسجيل الوصية بشيء معين A titre particulier ليس حجة على من تملك العقار الموصي به بمقابل كما رأينا عند الكلام على الهبة - مادة 617/ 744.

5 – الشفعة:

نص قانون الشفعة الصادر في 23 مارس سنة 1901 في المادة (14) على وجوب تسجيل طلب الشفعة، وفي المادة (18) على وجوب تسجيل الحكم الصادر نهائيًا بثبوت الشفعة.

6، 7، 8 -أما التملك بوضع اليد على العقار الذي لا مالك له Appropriation أو بإضافة الملحقات للملك Accession أو بمضي المدة Preseription ou usucapion فهذه من الأسباب المادية المؤدية للملكية، العلة فيها الغصب أو شبه الغصب، فلا تعاقد ولا عقد، وإذا لا محل للتسجيل.

3 - عهد قانون التسجيل الجديد

قانون رقم (18) و (19) لسنة 1923

1 - مقارنة بين القانون المدني وقانون التسجيل الجديد

1/ استعرضنا نصوص القانون المدني المتعلقة بالتسجيل، وبينا إجمالاً العقود والأحكام الخاضعة للتسجيل وغير الخاضعة له طبقًا لأحكام هذا القانون.

ولا بد أن القارئ قد لاحظ أن هناك عقودًا وأحكامًا لم ينص القانون على وجوب تسجيلها لتكون حجة على الغير، مع أن المصلحة العامة كانت تقضي بهذا التسجيل تأمينًا للمعاملات العقارية الذي شرع من أجله نظام إشهار التصرفات من قديم العهد.

وقد سد القانون الجديد بعض هذا النقص كما سنرى.

2/ ورأينا أن القانون المدني نص على الجزاء في حالة عدم التسجيل عند لزومه بأن جعل الحقوق الآيلة بمقتضى العقد غير المسجل كأن لم تكن بالنسبة للغير.

ولكن القانون الجديد أراد أن يمهد لمشروع نظام السجلات العقارية، فوضع جزاءً أشد صرامة، فنص على أنه يترتب على عدم تسجل العقود والأحكام غير المقررة للحقوق على انتقال الملكية والحقوق العينية بين العاقدين أنفسهم، وهذه هي القعدة الأساسية التي بنى عليها التشريع الجديد.

3/ ولقد نظم القانون الجديد طريقة تسجيل العقود، كما نظم طريقة إشهار الدعاوى وعقود الحوالة بالديون العقارية.

تلك هي الفوارق الثلاثة بين التشريعين.

كانت نصوص القانون المدني مبهمة بعض الإبهام وغير مرتبة ترتيبًا منطقيًا، فالمادة 611/ 737 نصت (على عقود انتقال الملكية أو الحقوق العينية القابلة للرهن والعقود المثبتة لحقوق الارتفاق والاستعمال والسكنى والرهن العقاري أو المشتملة على ترك هذه الحقوق).

(ولفظ (المثبتة) هنا معناه المنشئة Constituifs لا المؤيدة Declaratifs كما يتبين ذلك في عبارة الأصلي الفرنسي للمادة).

وإذا فهذه المادة نصت على العقود المنشئة للحقوق، لا المؤيدة لها، سواء كانت منشئة لها بالذات أو ناقلة أو مزيلة.

والمادة 612/ (738 - 739) نصت على الأحكام المؤيدة لتلك الحقوق أو المنشئة لها، والأحكام الصادرة في دعوى البيع الجبري، والعقود المشتملة على قسمة عين العقار، والمادة 613/ 740 نصت على عقود الإيجار الذي تزيد مدتها عن تسع سنوات وسندات الأجرة المعجلة التي تزيد عن ثلاث سنوات.

والمادة 614/ 741 نصت على بعض الديون العقارية الممتازة.

أما القانون الجديد فقد نص على العقود الواجب تسجيلها بهذه العبارة الجامعة (جميع العقود أو الأحكام الصادرة بين الأحياء، بعوض أو بغير عوض، والتي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله – والعقود والأحكام المقررة لهذه الحقوق).

ويرى من ذلك أن القانون المدني قد نص على سبيل الحصر على العقود والأحكام الواجب تسجيلها، كأنما الأصل عدم التسجيل والتسجيل استثناء، أما القانون الجديد فقد وفق إلى نص جامع يشمل كل التصرفات العينية العقارية بين الأحياء، فلا يستثني منها إلا ما خرج عن النص.

ولقد قسم القانون الجديد العقود والأحكام التي تشمل هذه الحقوق إلى نوعين:

1 – العقود والأحكام المنشئة للحقوق.

2 – العقود والأحكام المؤيدة للحقوق، وقد الحق بها عقود الإيجار والمخالصات عن الأجرة المعجلة.وقد جعل القانون لكل من النوعين مادة مستقلة، كما جعل لكل منهما حكمًا خاصًا أساسيًا لنقل الملكية بين العاقدين، ولم يجعل لسوء النية أثرًا في أرجحية العقد المسجل كما سنرى.

وفي المادة الثانية نص القانون على العقود والأحكام المؤيدة للحقوق، وجعل التسجيل شرطًا للاحتجاج بالحق على الغير، ونص على أن التدليس مبطل لأرجحية العقد المسجل.

ويتبين من مقارنة نصوص القانون المدني بنصوص قانون التسجيل، أن هذا القانون قد نص على وجوب تسجيل عقود وأحكام لم تكن خاضعة للتسجيل في عهد القانون المدني، وإليك بيانها:

1 - العقود المؤيدة لحقوق العينية العقارية بما فيها القسمة، فإن القانون المدني لم ينص في المادة 611/ (737) الأعلى العقود المنشئة للحقوق، ولم ينص في المادة 612/ 739 إلا على عقود قسمة عين العقار، بينما نص قانون التسجيل صراحة في المادة الثانية على وجوب تسجيل هذه العقود.

2 - الأحكام التي من شأنها زوال الحقوق المنصوص عنها في المادة 611/ 737 من القانون المدني.

فإن القانون المدني نص في المادة المذكورة على العقود التي من شأنها إنشاء أو انتقال أو ترك هذه الحقوق، ولكنه اكتفى بالنص في المادة 612/ 738 على الأحكام المنشئة أو المقررة لهذه الحقوق.

ولما كان النص على سبيل الحصر كما رأينا كانت الأحكام المزيلة للحقوق العينية العقارية غير خاضعة للتسجيل في عهد القانون المدني، بينما هي خاضعة له بنص المادة الأولى من قانون التسجيل.

3 - العقود والأحكام التي من شأنها تغيير هذه الحقوق

فإن كان هذا التغيير بالزيادة فهو إنشاء لحق فلا مناص من التسجيل، وإن كان بالنقصان فهو ترك للحق، فإن كان بعقد وجب تسجيله في عهد القانون المدني، وإن كان بحكم فلا حاجة إلى التسجيل.

أما قانون التسجيل فقد نص صراحة على العقود والأحكام التي من شأنها (تغيير) الحقوق العينية العقارية.وهناك عقود وأحكام لم ينص قانون التسجيل على وجوب تسجيلها.

1 - الوصية:

لأن المادة الأولى إنما نصت على العقود (الصادرة بين الأحياء) فالوصية حجة على ورثة الموصي ولو لم تكن مسجلة، لأن ملكية الحق العقاري الموصي به تنتقل بمجرد الوفاة دون حاجة إلى التسجيل.

وإلى أي مدى تكون الوصية حجة على الغير؟

يجب بحث المسألة من الوجوه الآتية:

( أ ) بالنسبة لمن تلقي حقًا عينيًا عن الموصي على العين الموصي بها.

(ب) بالنسبة لمن تلقي هذا الحق عن الورثة غير الموصي له.

(جـ) بالنسبة لمن تلقي هذا الحق من الموصى له.

والمفروض هنا أن تكون الوصية بغير مقابل وأنها صحيحة، سواء لأنها لغير وارث ولا تزيد عن النصاب القانوني، أو لإجازة الورثة لها (ويرجع في ذلك إلى أحكام قانون الأحوال الشخصية التابع لها الموصي - مادة (55)).

( أ ) بالنسبة لمن تلقى حقًا عينيًا عن المورث على العين الموصي بها.

للموصي الرجوع عن الوصية، فإذا تصرف في العين الموصى بها، كان تصرفه صحيحًا

وقد نص القانون المدني في المادة 617/ 744 على أن تصرف الموصي في العين الموصى بها للغير نافذ في حق الموصى له، إن كان التصرف بمقابل ولو لم يكن بعقد مسجل قبل تسجيل الوصية، وإنما يشترط أن يكون العقد ذا تاريخ سابق على تسجيل الوصية.

ولا يستفاد من هذا النص وجوب تسجيل الوصية لتكون حجة على الغير، لأن القانون لم ينص على ذلك.وإنما يستفاد منه أنه طالما أن للموصي حق الرجوع في الوصية، وطالما أن الوصية لا ترتب حقًا للموصي له إلا من يوم وفاة المورث، فتصرف الموصي في حياته في العين الموصي بها نافذ في حق الموصى له ولو كانت الوصية مسجلة.

أما إذا ترتب حق للغير على العين الموصى بها بإجراءات ضد الموصي لا باختياره، فلا يمكن أن يقال أن الموصي قصد الرجوع عن الوصية، ولكن في هذه الحالة يرجح حق الغير على حق الموصى له وإن كانت الوصية مسجلة بشرطين، أن يكون حق الغير بمقابل، وأن يكون ثابتًا بعقد ذي تاريخ رسمي سابق على تسجيل الوصية - مادة 617/ 744 وتلك إحدى نتائج القاعدة التي قررها الشارع في المادة (143)، قاعدة أرجحية صاحب الحق بعوض على المتبرع له.

(ب) بالنسبة لمن تلقى الحق عن الورثة غير الموصى له.

الوصية حجة على الورثة وتصبح نافذة ضدهم بمجرد الوفاة، وهي كالحقوق الآيلة عن الإرث حجة كذلك على الغير، فإذا تصرف أحد الورثة في العين الموصى بها فتصرفه باطل ولو لم تكن الوصية مسجلة.

ولكن هل يجوز للورثة إجازة الوصية إضرارًا بحقوق دائنيهم بالذات، أو لهؤلاء الدائنين حق إبطال إجازتهم.نرى أن لا دخل لهؤلاء الدائنين في هذه الإجازة. لأنه إذا اعتبرنا الوصية تبرعًا من المورث فلا يمكن اعتبار إجازتها تبرعًا من الورثة، وإنما هو دين طبيعي في ذمة المورث Obligation naturelle إذا أجازه الورثة اعتبر ذلك وفاء للدين ورجع أثره إلى تاريخ الوفاة، أي قبل أن تدخل التركة من ملك الوارث فتصبح محلاً لوفاء ديونه، ولأنه إذا كان دين الوارث سابقًا على التركة فلا يمكن أن يكون نصيبه فيها محلاً لضمان الدين وقت إنشائه، وإن كان لاحقًا بالتركة فقد وقعت الإجازة قبله أو عاد أثرها إلى تاريخ الوفاة.

(جـ) بالنسبة لمن تلقي حقًا عينيًا عن الموصى له.

إذ كانت العين الموصي بها لا تملك إلا بوفاة الموصي، فكل تصرف من الموصى له قبل الوفاة باطل، كتصرف الوارث في نصيبه من التركة قبل استحقاقها.

أما إذا كان التصرف حاصلاً بعد وفاة الموصي، فالتصرف حجة طبعًا على الموصى له وهو حجة على الورثة. وعند التزاحم بين عقد صادر من الموصي له وعقد آخر صادر من الورثة، يفضل العقد الأول ولو لم يكن مسجلاً، لأنه صادر من مالك بينما العقد الثاني صادر من غير مالك، وإذن لم يكن هناك تزاحم بالمعنى القانون بين عقدين صادرين من مالك واحد.

أما إذا كان هناك تزاحم بين عقدين أحدهما صادر من المورث والثاني من الموصي له فالأرجحية فيهما للعقد المسجل، وإن كان الاثنان مسجلين فللأسبق منهما في التسجيل، تطبيقًا للمادة 617/ 745، ولأنه إذا قلنا بأن تصرف الموصي يعتبر فسخًا للوصية، فإن هذا الفسخ لا يؤثر في حق الغير الذي اكتسب حقًا عينيًا على العقار الموصي به وحفظه طبقًا للقانون - مادة (107) مختلط.

هذا هو حكم القانون المدني، أما قانون التسجيل فقد ألغى المادتين 617 و 618 (744 و 745).

- راجع المادة (16) من هذا القانون.

لأنه لم يكن هناك محل للمادة (617) التي قررت الأرجحية للعقد الثابت التاريخ قبل تسجيل الوصية، طالما أن القانون نص على أن الملكية لا تنتقل في العقود المنشئة للحقوق إلا بالتسجيل - مادة (1).

2 – الإرث:

لم ينص قانون التسجيل على وجوب إشهار الحقوق الآيلة بالإرث بل قصر ذلك على (العقود الصادرة بين الأحياء).

ولذلك فلا يخضع للتسجيل: محاضر حصر التركة، والأحكام الصادرة بتثبيت حق الوارث على العقار الموروث، وعقود القسمة بين الورثة والأحكام الصادرة فيها، وعقود تخارج الورثة لبعضهم عن حصتهم في عقارات التركة، والأحكام الصادرة بشأن ذلك، وعقود استرداد الورثة للحصة العقارية المبيعة من التركة، والأحكام الصادرة في هذا الموضوع، كما رأينا.

أما إذا اشتملت هذه العقود والأحكام على حق غير موروث، أو دخلها شخص ليس وارثًا ولو تلقى الحق عن أحد الورثة، وجب التسجيل، لحفظ الحق غير الموروث، ولتكون حجة لغير الوارث على الغير.

وعند تنازع شخصين، تلقى أحدهما الحق عن المورث، والثاني عن أحد الورثة، رجح صاحب العقد المسجل كما في الوصية، للأسباب التي ذكرناها، وبالألوية لأن حق الوارث أقوى من حق الموصى له.

راجع مقال الأستاذ لمبير بمجلة مصر الحديثة المجلد (4) ص 207/ 212 – والأستاذ عبد السلام بك ذهني - إثبات المداينات ج (2) ص (296) والحاشية الأولى ومقاله بمجلة المحاماة س 6 ص (625) - والأستاذ نجيب بك الهلالي في البيع ص (288) ن (459) وما بعدها.

وراجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 2 مارس سنة 1916 - مجلة التشريع والقضاء س 28ص (186) - وحكم محكمة الاستئناف الأهلية في 10 مايو سنة 1921، المجموعة الرسمية س 24 رقم (17) - وحكم محكمة النقض الفرنسية - دللوز 1904 - 1 - 5.

3 - العقود والأحكام الصادرة في البيع الجبري للمنفعة العامة:

قدمنا أن إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة لا تخضع للتسجيل في عهد القانون المدني، واستندنا في ذلك إلى نص الفقرة الأخيرة من المادة (5) من القانون رقم (5) لسنة 1907، وإلى أقوال الشراح الفرنسيين ولكن هل يكون كذلك الحكم في عهد قانون التسجيل.

نعتقد ذلك بالرغم من إطلاق نص المادة (1)، لأن هذه الإجراءات من شأنها دخول العقار في المنافع العامة فيصبح غير قابل للتصرف فيه، لأنه يكفي لدخوله في المنافع العامة صدور مرسوم بذلك، وأخيرًا لأن في إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة العلانية الكافية، كما يقول العلامة بودرى.

ولا شك أن في خروج هذه المسائل الثلاث من حكم المادة الأولى من قانون التسجيل نقصًا في التشريع، من شأنه عدم ضمان المعاملات العقارية على الوجه الأكمل، خصوصًا في الوقت الذي شرع فيه في وضع نظام السجلات العقارية.

ولقد نادى بذلك الأستاذ عبد السلام بك ذهني في مقالين نشرا بمجلة المحاماة س 6 ص (597) وس 7 ص (433).

4 - ولقد آثار قانون التسجيل بعض مسائل قد كثر فيها الجدل بين رجال القانون، ومنها ما فصلت فيه المحاكم، ومنها ما لم تفصل فيه إلى الآن.

ومن هذه المسائل:

1/ ماهية (الالتزامات الشخصية) التي نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة الأولى.

2/ منشأ حق الشفعة في العقود غير المسجلة.

3/ أثر مبدأ عدم انتقال الملكية في جريمة بيع العقار غير المملوك للبائع.

4/ نظرية سوء النية في القانون الجديد.

5/ التقادم الخمسي، أو السبب الصحيح وقانون التسجيل.

6/ حقوق دائني البائع ودائني المشتري - وغير ذلك من المسائل.

ويرجع جميع هذه المسائل في الواقع إلى مسألة واحدة، وهي تفسير القاعدة الأساسية التي بنى عليها التشريع الجديد، قاعدة عدم انتقال الملكية بين العاقدين إلا بالتسجيل.

1 - ماهية الالتزامات الشخصية

جاء بالفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون التسجيل:

(ولا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين)

وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون تحت رقم (4)

(فيتعين مراعاة للمصلحة العامة ضمان إشهار التصرفات العقارية، بتقرير جزاء قانوني يكون أشد صرامة من مجرد عدم إمكان التمسك بهذه التصرفات في وجه غير المتعاقدين، فيتحتم إذًا جعل التسجيل شرطًا أساسيًا لانتقال الملكية والحقوق العينية بالنسبة للمتعاقدين ولغير المتعاقدين على السواء

وهذه القاعدة، التي هي شرط أساسي لنظام السجلات العقارية، إن لم تكن لازمة فهي على الأقل ضرورية لنظام يتخذ تمهيدًا لتلك السجلات).

ويتبين من المذكرة الإيضاحية أن واضعي مشروع القانون قد أخذوا، في تقرير مبدأ عدم انتقال الملكية إلا بالتسجيل، بالمادة (711) من مشروع تنقيح القانون المدني بالبلجيكي، التي نصت على أن (انتقال ملكية العقارات يتم متى أشهر البيع بالطريقة المنصوص عليها في باب الامتياز والرهن العقاري).

وقد عللت ذلك اللجنة التي وضعت مشروع تنقيح القانون البلجيكي بالصعوبات الهامة في العمل التي يثيرها مبدأ انتقال الملكية بمجرد الإيجاب والقبول، وجعلت اللجنة، أساسًا فقهيًا للمادة (711) المذكورة، الفارق بين الحق الشخصي والحق العيني.

فإن الحق الشخصي هو مجرد ارتباط قانوني بين شخصين أو أكثر، فهو بطبيعته ليس حجة على الغير، فليس ما يمنع من إنشاء هذا الحق بمجرد الإيجاب والقبول بين الطرفين.

أما الحق العيني فهو تكليف لشخص أو أكثر على عين ينشئ ارتباطًا قانونيًا بين صاحب الحق والكافة بشأن هذه العين فلا يمكن أن ينشأ هذا الارتباط عن عمل صادر بين العاقدين دون أن يعلم به الغير، وإنما ينشأ بالتسجيل، أي بإعلان هذا الغير.

وما لم يحصل هذا التسجيل فلا يترتب على العقد سوى التزام شخصي بين العاقدين.

إلا أن هذا الحق الشخصي لا يقف عند حد التعويض، وإنما يعطي لصاحبه حق مطالبة من تعاقد معه بتنفيذ ما تعهد به، أي بنقل الحق إليه بالقيام بالإجراءات القانونية اللازمة لإشهار التصرف، لأن نقل الملكية ليس ركنًا من أركان البيع، ولكنه نتيجة من نتائجه، ولأن معنى الالتزامات الشخصية التي نص عليها القانون الالتزامات الناشئة عن طبيعة عقد البيع.

هكذا قررت لجنة تعديل القانون البلجيكي (راجع المذكرة الإيضاحية).

وهكذا ذهب الأستاذ عبد السلام بك ذهني (المحاماة س 6 ص (605) و س 7 ص (439)) والأستاذ حامد بك فهمي (المحاماة س 5 ص (731)) – والأستاذ عبد الوهاب بك محمد (المحاماة س 5 ص (847)).

وبذلك قضت محكمتا الاستئناف المختلطة والأهلية بعد أحكام كثيرة متناقضة صدرت في هذا الموضوع.

قالت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 21 ديسمبر سنة 1926 (مجلة التشريع والقضاء س 39 ص (102) – المحاماة س 8 ص (238)):

(ليس نقل الملكية ركنًا من أركان البيع ولكنه نتيجة من نتائجه (مادة 336)، وإذا كانت الملكية تنتقل، قبل القانون رقم (19) لسنة 1923، بين العاقدين بمجرد البيع، وبالنسبة للغير بالتسجيل، فإنها أصبحت، على مقتضى هذا القانون،لا تنتقل حتى بين العاقدين إلا بالتسجيل).

(وإذا كانت ملكية العين المبيعة لا تنتقل، على مقتضى القانون المشار إليه، مباشرة وبمجرد البيع - أي أن حق المشتري ليس حقًا عينيًا jus in re – إلا أن حقه بالنسبة للعين المبيعة قد ترتب في ذمة البائع بمجرد البيع Jus ad rem بمعنى أنه أصبح للمشتري حق مطالبة البائع باستيفاء الإجراءات التي توصله إلى تملك العين التي تعهد البائع بنقل ملكيتها إليه).

وقالت محكمة الاستئناف الأهلية (الدوائر المجتمعة) في حكمها الصادر في 3 ديسمبر سنة 1927 (المحاماة س 8 ص (298)):

(نقل الملكية ليس ركنًا من أركان البيع ولكنه أثر من آثاره، بدليل تعريف البيع في القانون (مادة 235)، ولجواز تعليق نقل الملكية على شرط أو إضافته إلى وقت، وجواز بيع ما لا يتحقق وجوده وقت البيع).

(وإن قانون التسجيل لم ينص على بطلان العقد غير المسجل واعتباره كأن لم يكن، ولكنه نص على تعليق نقل الملكية على التسجيل، فيصبح العقد من العقود المعلق فيها نقل الملكية على شرط، فهو صحيح).

(وإن قانون التسجيل قد نص على أنه لا يترتب على العقد غير المسجل إلا التزامات شخصية، دون بيان مدى هذه الالتزامات، ولا على من تقع في ذمته تلك الالتزامات من البائع والمشتري، وإذا كان هذا القانون استثنائيًا جاء مقيدًا لحرية العاقدين وجب تفسير نصوصه بالرجوع إلى أحكام القانون العام).

ويترتب على ما تقدم:

1 - إن للمشتري غير المسجل عقده طلب استيفاء الإجراءات الموصلة للتسجيل فنقل الملكية.

2 - وله حق استلام العين المبيعة قبل التسجيل طالما لم يتعلق بها حق الغير.

3 - وإذا ما استلمها كان هلاكها عليه ولو حصل قبل التسجيل - راجع الأستاذ عبد السلام بك ذهني - المحاماة س 6 ص606).

4 - وللبائع المطالبة بالثمن ولو لم يسجل المشتري عقده.

5 - وهل للمشتري الذي لم يسجل عقده بيع العقار أو رهنه أو ترتيب حق عيني عليه.

الفرض هنا أنه لم يتعلق بالعقار حق للغير عن طريق البائع، وأن من تصرف له المشتري قد حفظ حقه بالتسجيل.

نرى أن صحة التصرف تصبح معلقة على شرط تسجيل عقد المشتري، فإذا ما سجله ولو بعد التصرف، رجع أثر حقه إلى تاريخ الشراء وصح تصرفه، لأن البيع غير المسجل بيع معلق فيه نقل الملكية على شرط التسجيل، كما قالت محكمة الاستئناف الأهلية في حكمها المشار إليه، ولأن أثر الشرط يرجح إلى تاريخ العقد - مادة 105/ 159.

ونرى ضرورة تسجيل عقد المشتري ولو بعد التصرف لتصحيح مركز المتصرف له، لنقل الملكية من البائع للمشتري حتى يستطيع الأخير نقلها للغير لأن قانون التسجيل قد ألغى المادة 619/ 746 التي نصت على الاكتفاء بتسجيل التصرف الأخير عند تعدد عقود انتقال الملكية بين ملاك متوالين.

أما إذا تعلق بالعقار حق للغير عن طريق البائع، وسجل الغير عقده قبل تسجيل عقد المشتري، ولو بعد تسجيل عقد المتصرف له من المشتري، أصبح هذا التصرف معدوم الأثر قبل الغير، لصدوره من غير مالك، ولاستحالة تصحيح مركز المشتري بقطع رجوع أثر تسجيل عقده بتسجيل عقد الغير قبله مادة 106/ 160.

6 - ويترتب على ماهية الالتزامات الشخصية القضايا التي سنعرض لبحثها فيما يلي.

2 - الشفعة وقانون التسجيل

كتب في هذا الموضوع قبلنا الأساتذة حامد بك فهمي (المحاماة س 5 ص (729)) وعبد الوهاب بك محمد (المحاماة س 5 ص (847)) وعبد السلام بك ذهني (المحاماة س 6 ص (612)).

وقد أجمع الأساتذة الثلاثة على ثبوت حق الشفعة في البيع غير المسجل في عهد القانون الجديد.وقد بنى الأستاذ حامد بك رأيه على أن القانون لا يشترط في الشفعة كون البيع صحيحًا، ناقلاً للملكية، خاليًا من خيار شرط للبائع، كما اشترطت الشريعة الإسلامية ذلك.

واستند الأستاذ عبد الوهاب بك إلى كون التسجيل ليس ركنًا من أركان البيع ولكنه أثر من آثاره، وإلى كون الشفيع إنما يتلقى حقه عن البائع مباشرة، وإلى أن تعليق حق الشفعة على التسجيل من شأنه جعل تعطيل حق الشفعة بيد المشتري لأن أمر التسجيل موكول لإرادته.

وارتكن الأستاذ ذهني بك على أن المشتري غير المسجل عقده مالك على شرط التسجيل، وبتحقق الشرط تنتقل الملكية إليه من يوم الشراء، وأن الشفيع يحل محل المشترط بشرطه، فإذا ما سجل عقده أو حكمه انتقلت الملكية إليه من البائع مباشرة ومن يوم الشراء.

ولقد أخذت محكمتا الاستئناف المختلطة والأهلية بهذا الرأي وقضتا، بالحكمين المشار إليهما، بجواز لأخذ بالشفعة من المشتري غير المسجل عقده للأسباب التي نقلناها عن الحكمين المذكورين، فيما يتعلق بحق المشتري، وللأسباب التي استند إليها الأساتذة المذكورون، فيما يتعلق بحق الشفيع.

وينبني على ذلك أن حق الشفعة يسقط بمضي الميعاد القانوني من يوم العلم بالبيع، وليس من يوم العلم بالتسجيل. - راجع الحكمين المذكورين.

3 - جريمة بيع العقار غير المملوك للبائع

إذا كانت الملكية لا تنتقل بين العاقدين إلا بالتسجيل، فمعنى هذا أن البائع يظل مالكًا إلى أن يحصل التسجيل، فإذا ما باع العين لثالث صح البيع، وانتقلت الملكية إليه إذا سجل عقده قبل تسجيل عقد المشتري الأول. فهل تنطبق المادة (293) عقوبات على تصرف البائع في هذه الحالة.

يقول الأستاذ أحمد بك أمين (شرح قانون العقوبات الأهلي - القسم الخاص - ص (738)):

(إما إذا تصرف في عقار سبق له التصرف فيه لشخص آخر، فيختلف الحكم بحسب ما إذا كان حق الملكية السابق التصرف فيه قد انتقل فعلاً إلى المتصرف له أولاً بالتسجيل أم لا - انظر المادة الأولى من القانون نمرة (18) لسنة 1923 الخاص بالتسجيل).

(فإن كان التصرف الأول بيعًا مثلاً وسجل المشتري عقده، فانتقلت الملكية إليه من تاريخ التسجيل فقط، ومن ذلك التاريخ عينه يصبح البائع غير مالك للعين المبيعة، فإذا باعها مرة أخرى بعد تسجيل عقد البيع الأول، عد متصرفًا في مال ثابت ليس مملوكًا له ولا له حق التصرف فيه، وإذن يتعين عقابه بالمادة 293 ع) .

(أما إذا كان المشتري الأول لم يسجل عقده، وباع البائع العقار مرة أخرى إلى مشترٍ ثانٍ، وسجل هذا المشتري الثاني عقده، فإن الملكية تنتقل إليه هو بالتسجيل، ولا عقاب على البائع في هذه الحالة، لأن البيع الأول الذي لم يسجل لم يخرج الملكية من يده قط، ولأنه وقت حصول البيع الثاني كان القانون لا يزال يعتبره مالكًا للعين المبيعة، فإذا كان قد تصرف فيها مرة أخرى فهو قد تصرف في عقار لا يزال مملوكًا له، وإذن لا ينطبق عليه حكم المادة (293 ع)، ذلك بأن المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد تنص على أنه ( يترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها - أي حق الملكية والحقوق العينية العقارية الأخرى - لا تنشأ ولا تنقل ولا تغير ولا تزول لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة لغيرهم، ولا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين).

(ولا دخل لحسن النية وسوئها فيما يتعلق بعلاقة البائع بالمشتريين الأول والثاني في هذه الحالة، كما أن حسن نية المشتري الثاني أو سوءها وقت الشراء لا يغير من وجه المسألة في شيء قط، لأن انتقال الملكية أصبح بحكم القانون الجديد مرتبطًا بالتسجيل وبالتسجيل وحده، ولا تكون الأسبقية بناءً على ذلك إلا لمن انتقلت إليه الملكية فعلاً).

(وإذا باع البائع العقار إلى مشترٍ أول ثم إلى مشترٍ ثانٍ، ثم سجل أحد المشتريين عقده بعد صدور البيعين من البائع، انتقلت الملكية إلى من سجل عقده منهما، أما البائع فلا يعاقب بالمادة (293 ع) على كل حال، لأنه كان مالكًا للعقار وقت صدور كل من البيعين).

(وكذلك يكون الحكم إذا باع البائع عقاره إلى مشتريين على التعاقب ولم يسجل أحدهما عقده لأن الملكية لم تخرج في هذه الصورة عن البائع بحال).

ويقول الأستاذ جندي بك عبد الملك (مجموعة المبادئ الجنائية - ص (698)).

(47 - التصرف السابق - إذا تصرف شخص في عقار سبق له التصرف فيه، فيشترط لعقابه على التصرف الثاني أن يكون التصرف الأول ناقلاً للملكية، وقد كانت الملكية وغيرها من الحقوق العينية، قبل القانون رقم (18) سنة 1923 الخاص بالتسجيل، تنتقل بمجرد حصول العقد فجاء هذا القانون وقضى بأنها لا تنتقل إلا بالتسجيل…).

(فإذا صدر البيع الأول بعد تاريخ العمل بقانون التسجيل (وهو أول يناير سنة 1924) أو لم يكن له تاريخ ثابت رسميًا قبل ذلك التاريخ، ولم يسجل المشتري عقده، وباع البائع العقار مرة أخرى لمشترٍ ثانٍ، فلا عقاب على البائع، سواء سجل المشتري الثاني عقده أو لم يسجل، لأن البيع الأول لم يخرج الملكية من يد البائع).

ويخالف الأستاذ عبد السلام بك ذهني زميليه فيقول (المحاماة س 6 ص (626)).(وإننا لا نقر هذا الرأي، ونرى محلاً للمؤاخذة الجنائية واعتبار البيع الثاني نصبًا معاقبًا عليه بالمادة (293) عقوبات، فيما إذا كان هناك تواطؤ بين البائع والمشتري الثاني).

وتتلخص الأسباب التي بنى عليها الأستاذ رأيه فيما يلي:

1 - إن المشتري الأول، ولو لم تنتقل إليه الملكية، إلا أن حقه قد تعلق بالعقار، ولأن التدليس مبطل للتصرف الثاني بالرغم من تسجيله، فإذا كان هذا التصرف باطلاً مدنيًا فلا بدَّ أن يكون العقد مؤاخذًا عليه جنائيًا.

2 - أن علة التشريع في جريمة التصرف في ملك الغير، كما ثبت من محضر جلسة مجلسة شورى القوانين، هو الاحتيال على سلب مال الغير، وأن هذه العلة متوفرة لا تزال قائمة في عهد التشريع الجديد.ونحن نخالف الأستاذ ذهني بك في رأيه وننضم إلى رأي زميليه السابقين للأسباب الآتية:

1 - لأنه وإن كان للمشتري الأول، في عهد القانون الجديد، حق شخصي يتعلق بالعقار Jus ad rem، كما ذهبت إلى ذلك محكمتا الاستئناف المختلطة والأهلية، إلا أن هذه العلاقة تنقطع بمجرد تعلق حق الغير بهذا العقار بالتسجيل.

2 - لأن قانون التسجيل قد قضى على نظرية حسن النية وسوئها، فيما يتعلق بالعقود والأحكام المنشئة للحقوق، كما سنرى

ولأنه على فرض العكس، فإن التواطؤ الذي يشير إليه الأستاذ ذهني بك في السبب الأول، من شأنه أن يحفظ الملكية للمشتري الأول، فلا يحق له التظلم من البيع الثاني، خصوصًا وأن البائع له كان مالكًا للعين المبيعة وقت شرائه.

ولأن المشتري الثاني كذلك لا يحق له في هذه الحالة التظلم من البيع له، لأنه يعلم بأسبقية البيع لغيره فرضًا.

3 - ولأنه لا محل للبحث في علة التشريع طالما أن الركن الأساسي للجريمة (بيع ملك الغير) غير متوفر. أما الأحكام التي عثرنا عليها في هذا الموضوع فهي الآتية:

حكم محكمة منفلوط في 3 ديسمبر سنة 1924 (المحاماة س 5 ص (553)) وقد أخذ بالرأي الأول.

حكم محكمة جرجا في 30 نوفمبر سنة 1926 (المحاماة س 8 ص (379)) - وحكم محكمة الإسكندرية الاستئنافية في 27 نوفمبر سنة 1927 (المحاماة س 8 ص (516)) - وقد أخذ الحكمان بالرأي الثاني.
4 - نظرية حسن النية وسوئها في مادة التسجيل

( أ ) في القانون المدني - الفرق بين العلم بالبيع السابق وسوء النية

1 - مقابلة بين الأصل الفرنسي والترجمة العربية للمادة (270)

الأصل الفرنسي:

A l’égard des tiers qui sont de bonne foi, qui ont juste titre et qui ont conservé leurs droits daus les formes légales, la propriété n’est transmise, en ce qui concerne les immeubles, que par la tranion de l’acte de vente, ainsi que cela sera